كما أن الإضراب حق مشروع فالاقتطاع عنه أيضا حق مشرو محمد شركي من الأمور التي يقع فيها التطفيف ،وويل للمطففين اعتبار الإضراب في كل القطاعات العمومية والخاصة حقا مشروعا يضمنه القانون مقابل رفض الاقتطاع عنه مع أن الوظائف والمهام والأعمال في كل القطاعات تقابلها أجور ، ولا يستقيم منطقا ولا عقلا ولا عرفا ولا عادة أن تدفع أجور دون وجود ما يقابلها من أعمال ومهام ووظائف . صحيح أن الدافع وراء كل إضراب يكون عادة بسبب الخلاف بين المشغل مهما كان أفرادا أو مؤسسات وبين المشتغلين حول الأجور أو حول ظروف العمل المختلفة. وهذا الخلاف لا يسوغ شرعا ولا قانونا الاخلال بالعقد المبرم بين الطرفين مشغل ومشتغل، ذلك أن فمدار هذا العقد هو قيام المشتغل بعمل ودفع المشغل ما يقابله من أجر. فإذا أخل المشتغل بالتزامه ،فإن ذلك يعني براءة ذمة المشغل من التزامه أيضا . ولهذا لا يمكن القبول بمنطق الاستفادة من حق الإضراب مع الاحتفاظ بالأجر . وأكثر من ذلك يعتبر الإضراب تضحية بالأجر من أجل الحصول على الحقوق المنشودة، بل تعتبر الاقتطاعات عند الذين يدركون حقيقة ثقافة الإضراب أوسمة يحق لهم أن يفخروا بها خصوصا عندما تنجح إضراباتهم ، وتحقق أهدافها ، وينتزعون حقوقهم مقابل تضحية بالأجور.وإذا كان المشغل يمارس الظلم على المشتغل ، فلا يليق بالمشتغل أن ينجر نحو الظلم أيضا وهو المظلوم من خلال المطالبة بأجر على الإضراب. وقد يمس ظلم المشغل والمشتغل معا طرفا آخر خصوصا عندما يكون المشغل إدارة عمومية والمشتغل بها موظفا ،وهذا الطرف هو عموم المواطنين الذين تضيع مصالحهم بسبب الإضراب ، ويستخدمهم المشتغل دروعا بشرية من أجل الضغط على المشغل . فهؤلاء المواطنون يستغلون أبشع استغلال من طرف المشغل والمشتغل معا اللذين يعرضان مصالحهم للضياع ،الأول بتجاهل مطالب المشتغل ، وهذا الأخير بإلحاق الضرر بالمواطنين وليس بالمشغل. والذين يطالبون بحق الإضراب وبالاحتفاظ بالأجور هم بمنزلة من يريد أن يحصل على حقه ضعفين أو مرتين ، وهو ظلم لأن الظلم عبارة عن وضع الأمور في غير وضعها الطبيعي . وفي التعبير العامي يسمى الشيء بدون مقابل باطلا ، والباطل نقيض الحق . فالذين يريدون الاحتفاظ بأجورهم ،وهم في حالة إضراب يريدون باطلا ، وهم بذلك غير محقين . وإذا كانت الإضرابات في المجتمعات المتحضرة تؤتي أكلها بشكل أو بآخر ، فإنها عندنا صارت مجرد عبث لا معنى له حيث حطمت الإضرابات عندنا في بعض القطاعات أرقاما قياسية حيث مرت سنوات وهي تتكرر دون أن يغير المشغل والمشتغل معا من مواقفهما وتعنتهما . ويبدو وكأن المشغل المماطل عندنا يجازي المشتغل المضرب على حساب الصالح العام المعطل والضائع . فالمشغل المماطل لا يؤدي ما عليه من حق المشتغل ، والمشتغل المضرب لا يقوم بما عليه من واجب مقابل ما يتقاضاه من أجر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق